بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

هل يُشترط التكافؤ المالي بين الزوجين؟

🔹 نظرة شرعية واقعية


أولًا: الزواج شراكة أرواح لا توازن أموال

حين خلق الله الزواج، لم يجعله مقايضة مادية بين غني وفقير،
بل جعله سكنًا ورحمةً ومودةً، تُبنى على الإيمان لا على الأرقام.

قال تعالى:

﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا
لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾
[الروم: 21]

فالزواج الحقيقي لا يقوم على “كم تملك؟”
بل على “كم تخاف الله فيّ؟ وكم تحسن عشرتي؟”.


ثانيًا: ماذا يقول الشرع في التكافؤ المالي؟

التكافؤ الذي اعتبره الإسلام هو تكافؤ الدين والخلق أولًا،
أما المال فليس شرطًا في صحة الزواج.

النبي ﷺ زوّج فقراء من أغنياء، وأغنياء من فقراء،
ولم يجعل المال ميزان الكفاءة.

«إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوّجوه،
إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض.»
[رواه الترمذي]

فالمال يذهب ويأتي، أما الخلق والدين فهما الثابتان اللذان تُبنى عليهما الحياة.


ثالثًا: التكافؤ المالي… مطلوبٌ لا مشروط

الإسلام لا يمنع مراعاة الجانب المادي،
لكنّه لا يجعله شرطًا يفسد الزواج إن لم يتحقق.

فقد يكون الفارق المادي الكبير سببًا في صعوباتٍ واقعية،
تحتاج إلى وعيٍ وصبرٍ وتفاهم.
لكن الأصل أن الرضا والنية الصالحة تصنعان توازنًا أعمق من المال.

ولذلك قال العلماء:

“يُستحب النظر إلى الكفاءة من باب حسن العشرة، لا من باب الوجوب.”


رابعًا: حين يختلّ الميزان المادي

بعض الأزواج يتزوجون موظفة طيبة فيجعلون مالها ملكًا لهم،
أو بعض الزوجات تنظر لزوجها البسيط نظرة استعلاء.

وكلاهما أخطأ الميزان.

فالزوج مسؤول عن النفقة،
لكن الفقر لا ينقص من قدره إن كان صالحًا متقيًا.
والمال لا يرفع امرأةً إن استخدمته في التكبر أو العصيان.

المال وسيلة، لا مقياس كرامة.


خامسًا: التكافؤ الحقيقي الذي يدوم

التكافؤ المالي قد يُغيّر بمرور الزمن،
لكن التكافؤ الإيماني والعقلي والخلقي هو الذي يدوم.

فالذي يرضى بالقليل، ويشكر الله على ما قسم،
سيجد من البركة ما يغنيه عن كثير من المال.

قال تعالى:

﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا
وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾
[الطلاق: 2-3]


سادسًا: في الزواج السعيد

نذكّر كل من يُقبل على الزواج أن يسأل نفسه:
هل أبحث عن شريك حياة… أم عن مستوى مالي؟

فإن كنت تبحث عن الدين والسكينة،
جعل الله في بيتك بركةً وسَعة.
وإن طلبت الدنيا وحدها، لم ترضَ أبدًا مهما جمعت من مال.


🌸 خاتمة

ليس شرطًا أن تتساوى الجيوب،
لكن المهم أن تتساوى القلوب في التقوى والنية والاحترام.

فكم من فقيرٍ أغنى الله بيته بالحب والرضا،
وكم من غنيٍّ ضاعت سعادته بين كثرة المال وقلة البركة.

الزواج رزق،
والبركة لا تسكن إلا في بيتٍ بُني على التقوى،
لا على الميزانية.