بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

الدورات التأهيلية سر نجاح الزواج في الإسلام

إنّ الزواج في الإسلام ليس مجرد عقد مدني أو اتفاق اجتماعي، بل هو “ميثاق غليظ”؛ شعيرة عظيمة وغراس مبارك جعله الله آية من آياته الكونية: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} (الروم: 21). هذه الآية تلخص المقصد: السكن، والمودة، والرحمة.

ولتحقيق هذا المقصد السامي، لا يكفي الإعداد المادي وحفلات الزفاف، بل لا بد من إعداد فكري ونفسي وشرعي عميق، وهذا هو الدور الجوهري الذي تؤديه الدورات التأهيلية قبل الزواج.

 

1. لماذا تُعد الدورات التأهيلية فرضاً من فروض الإعداد؟

لقد علّمنا الإسلام مبدأ الأخذ بالأسباب، فكما نتأهب للوظيفة والدراسة، يجب أن نتأهب لأعظم مؤسسة في الحياة وهي الأسرة. إن حضور دورة تأهيلية للمقبلين على الزواج يُعد استثماراً وقائياً لتحقيق المقاصد الشرعية، وذلك من عدة أوجه:

 

أ. الوعي بمقاصد الشريعة في الزواج

تُعلم هذه الدورات المقبلين على الزواج أن الهدف ليس فقط إشباع الغريزة، بل هو تحقيق العفة وحفظ النسل، وبناء النواة الصالحة للمجتمع، وهي الأسرة المسلمة. وتوضّح الحقوق والواجبات المتبادلة في ضوء الشرع، فالجهل بها سبب رئيسي في الخلافات.

 

ب. اكتشاف الاختلافات الفطرية والجنسية

توضح الدورات الفوارق النفسية والعقلية بين الرجل والمرأة، وكيفية التعامل معها بطريقة تُعزز التفاهم لا الصدام. كما تغطي الجانب الفقهي والنفسي للعلاقة الخاصة، مما يزيل الحرج والجهل، ويُحصّن الأسرة من اللجوء إلى مصادر غير شرعية أو غير علمية.

 

ج. صقل مهارات التواصل وحل الخلاف

من الأسباب الرئيسية لارتفاع حالات الطلاق هو العجز عن الحوار. تعلم هذه الدورات المقبلين على الزواج:

  • فن الاحتواء: كيفية إدارة الغضب والتعامل مع المشكلات بمنهج الشورى والرفق.
  • اللغة النبوية للحوار: مستمدة من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع زوجاته، القائمة على الاحترام والتغافل الجميل.

 

2. المحاور الأساسية التي يجب البحث عنها في الدورة

لكي تكون الدورة ذات طابع إسلامي حقيقي وفعّال، يجب أن ترتكز على محاور تجمع بين الشرع والعلم:

المحور التركيز الأساسي الفائدة المرجوة
فقه الأسرة والأحكام الشرعية فقه النكاح، حقوق الزوجين، النفقة، الطهارة والأحكام الخاصة بالمرأة. بناء الزواج على أساس شرعي متين، وتجنب الوقوع في المحظورات.
المهارات النفسية والاجتماعية لغة الجسد، إدارة التوقعات، التعاطف، فن الاعتذار والمسامحة. تعميق المودة وتحقيق السكينة النفسية بين الشريكين.
التربية الأسرية ورعاية الأبناء المنهج النبوي في التربية، مراحل نمو الطفل، الإعداد للأبوة والأمومة. الاستعداد المشترك لبناء جيل صالح يخدم دينه ووطنه.
الإدارة المالية والاقتصاد المنزلي وضع ميزانية مشتركة، فقه المال المشترك، الأولويات في الإنفاق. تجنب الخلافات المادية وتوفير الأمان الاقتصادي للأسرة.

 

3. كيف تحصل على دورة تأهيلية إسلامية موثوقة؟

لضمان جودة الاستثمار في هذه الدورات، يجب البحث عنها في أماكن موثوقة ذات مرجعية شرعية وعلمية:

  1. الالتحاق بالدورات المجانية التي تقدمها بعض الجمعيات الخيرية أو المراكز الإسلامية.
  2. متابعة القنوات الدعوية على اليوتيوب التي تقدم محتوى تأهيلي شرعي، مثل دروس في “فقه الأسرة” و”مهارات الحياة الزوجية”.
  3. الاستفادة من الدورات الإلكترونية التي تنظمها مواقع موثوقة في العالم العربي.
  4. قراءة الكتب الإسلامية المتخصصة في بناء الأسرة وتربية الأبناء.

 

الخاتمة: الاستثمار في السعادة الدائمة

إن الإقبال على الزواج دون استعداد كافٍ هو أشبه بـ “قيادة سفينة في بحر هائج دون بوصلة”. هذه الدورات ليست ترفاً، بل هي ضرورة شرعية ومنطقية لـ “إحسان” الزواج، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الله كتب الإحسان على كل شيء”.

اجعلوا من حضوركم هذه الدورات خطوتكم الأولى نحو بناء بيت مسلم مستقر، أساسه السكن، وعماده المودة، وسقفه الرحمة. فـ “الاستعداد للزواج هو استثمار في السعادة الأبدية”.