بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

صبر الزوجة على ضيق حال زوجها

عنوانُ وفاءٍ وصدقٍ في زمن الماديات


أولًا: الزواج مودةٌ قبل أن يكون مالًا

الزواج ليس صفقةً مادية،
ولا بيتًا يُبنى على الرصيد،
بل هو سكنٌ ورحمة كما قال الله تعالى:

﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾
[الروم: 21]

فالمحبة الصادقة لا تزول حين يضيق العيش،
ولا تتبدد إن قلّ المال،
بل تزداد ثباتًا وإخلاصًا، لأنّها مبنيّة على القلب لا الجيب.


ثانيًا: الصبر في الضيق… عبادة عظيمة

حين تضيق المعيشة، ويشتد الكرب،
وتختار الزوجة أن تصبر وترضى وتُعين زوجها،
فإنّها في عبادةٍ خفية لا يعلم أجرها إلا الله.

قال النبي ﷺ:
«عَجَبًا لأمر المؤمن، إنَّ أمرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ،
إن أصابَتْهُ سَرَّاءُ شكرَ، فكان خيرًا له،
وإن أصابَتْهُ ضرَّاءُ صبرَ، فكان خيرًا له.»
[رواه مسلم]

فما أعظم أجر الزوجة المؤمنة،
التي تُخبئ تعبها في دعاءٍ صادق،
وتواسي زوجها بكلمة طيبة بدل عتابٍ قاسٍ،
وترى في الصبر زادًا للآخرة لا وجعًا للدنيا.


ثالثًا: الصبر زينة المرأة الصالحة

ليست الزوجة الصالحة هي الأكثر طلبًا،
بل هي التي تُقدّر ظروف زوجها وتسانده في شدّته.

من أجمل صفات المرأة المؤمنة:
أنها حين يقلّ الرزق، لا تقلّ محبتها،
وحين يضعف الدخل، لا يضعف دعمها،
بل تزداد حنانًا ووفاءً ورضًا.

قال النبي ﷺ:
«أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راضٍ، دخلت الجنة.»
[رواه الترمذي]

فكيف بامرأةٍ تصبر على الشدّة وتعين زوجها على الرزق الحلال؟
هي بلا شك من أهل الجنة إن شاء الله.


رابعًا: أثر صبر الزوجة على الأسرة

الصبر لا يخفف عن الزوج فقط،
بل يحفظ البيت من الانهيار،
ويزرع في الأبناء دروسًا في القناعة والرضا.

الزوج الذي يرى صبر زوجته،
يجد دافعًا أعظم للعمل والكدّ،
لأنّ في قلبه امتنانًا عميقًا لها.

أما الأبناء، فيتعلّمون من أمهم أن الكرامة لا تُشترى بالمال،
وأن الرضا رزق، وأن البركة تأتي مع الصبر لا مع الإسراف.


خامسًا: الصبر لا يعني السكوت عن الظلم

لكن ليُعلم أن الصبر المطلوب هو الصبر على الضيق لا على الإهانة.
فلا يجوز للرجل أن يستغل طيبة زوجته،
ولا أن يُقصر في مسؤولياته بدعوى الصبر.

الصبر فضيلة، ولكنها لا تبرر الظلم،
بل هي تعاونٌ على تجاوز الشدّة حتى يفرّج الله الكرب.


سادسًا: الله لا يضيع من صبرت لأجله

قد تمر الأيام، ويشتد الضيق،
لكن الله يعد المؤمنين بوعدٍ صادق:

﴿إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾
[الشرح: 6]

فما من ضيقٍ إلا ومعه فرج،
وما من صبرٍ إلا وله جزاءٌ كريم.

قال النبي ﷺ:
«من لزم الاستغفار جعل الله له من كل همٍّ فرجًا، ومن كل ضيقٍ مخرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب.»
[رواه أبو داود]


🌸 في الزواج السعيد

نذكّر كل زوجةٍ مؤمنةٍ أن البيت الذي يُبنى بالصبر، لا تهدمه الأيام،
وأن من صبرت على الضيق اليوم،
ستحيا غدًا في سعةٍ وبركةٍ ورضا من الله.

الصبر في الشدائد عبادةٌ،
وفي الزواج وفاءٌ،
وفي القلب سكينةٌ يهبها الله لمن أخلصت النية وأحسنت الظنّ بربها.


💡 نصيحة من القلب:
كوني سكنًا في ضيق زوجك، كما كنتِ سكنًا في سروره،
واجعلي الرضا زينتك، والصبر قوتك،
فإنّ الله لا ينسى من صبرت لأجله،
وسيُعطيك من الخير ما لم تحلمي به.