حين ترغب الزوجة في البقاء مع أبنائها رغم الخلاف
بين الطلاق والحكمة.. خيار يحفظ البيت من الانهيار
في بعض البيوت تصل العلاقة بين الزوجين إلى مرحلةٍ من الفتور أو الخلاف الشديد،
فتفكر الزوجة بالطلاق، لكنها تتردد لأنّ قلبها معلّق بأبنائها،
ولا تريد أن تفارقهم أو تشتت أسرتها، فتقف بين نارين: حياتها الخاصة واستقرار أولادها.
وهنا يأتي دور الحكمة والإيمان، فليست كل علاقةٍ زوجيةٍ تُحلّ بالطلاق،
بل أحيانًا يكون التراضي والاتفاق بالحسنى هو الحلّ الأمثل لحفظ الأسرة من الانهيار.
أولًا: الأصل في الزواج الاستمرار والإصلاح
الزواج ميثاق غليظ، لا يُنقَض لأهون سبب،
قال الله تعالى:
﴿فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾
[النساء: 19]
فقد يبغض أحد الزوجين الآخر في بعض الطباع، لكن الله يجعل في الصبر خيرًا وبركة،
فكم من بيوتٍ صبرت على الخلاف، ثم تبدّل حالها وامتلأت مودة ورحمة.
ثانيًا: إن لم تستطع المودة، فليبقَ الستر والإحسان
قد تصل بعض العلاقات إلى مرحلةٍ لا تجد فيها الزوجة رغبة في المعيشة الزوجية،
لكنها لا تزال تحب أبناءها، وتخشى أن يؤدي الطلاق إلى تشتت الأسرة وضياعهم بين الأبوين.
في هذه الحالة يمكنها أن تتفاهم مع زوجها بالتراضي،
فيتفقان على البقاء تحت سقفٍ واحد، مع حفظ الحقوق،
دون معاشرةٍ زوجية، ما دام ذلك برضا الطرفين وبدون ظلمٍ أو خداع.
فالشرع لا يُلزم بالمباشرة ما دامت المعاشرة بالمعروف قائمة،
قال تعالى:
﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾
[النساء: 19]
والمعروف قد يكون بالعشرة الطيبة، أو بالمساعدة، أو بحفظ الأسرة والستر.
ثالثًا: الطلاق ليس دائمًا الحلّ
كثيرٌ من النساء تندفع نحو الطلاق ظنًا أنه راحة،
لكنها بعد حين تكتشف أن فراق الأبناء وجعٌ لا يُحتمل،
وأن الحياة وحدها ليست كما كانت تتصور.
فالطلاق وإن كان مباحًا، إلا أنه آخر الحلول،
قال النبي ﷺ:
«أبغض الحلال إلى الله الطلاق.» [رواه أبو داود]
فإذا كان الزوج لا يؤذيها، ولا يمنعها من الخير،
فبقاؤها معه بالحسنى، دون معاشرةٍ إن اتفقا،
قد يكون خيرًا لها ولأبنائها من هدم البيت وتشتيت الأسرة.
رابعًا: البقاء بالعقل لا بالعاطفة فقط
إن اختارت المرأة البقاء لأجل أبنائها،
فعليها أن تُحسن إدارة العلاقة بحكمةٍ وهدوء،
فتتعامل مع زوجها باحترامٍ ولباقة، دون استفزازٍ أو جفاءٍ قاسٍ،
حتى لا يتحوّل الاتفاق إلى حربٍ صامتة داخل البيت.
كما عليها أن تُظهر أمام الأبناء جوًّا من الهدوء والاحترام،
كي لا يشعروا أن والدَيهم متباعدان،
فالأطفال يحتاجون إلى الأمان النفسي أكثر من أي شيء.
خامسًا: في حال الطلاق لا يجوز البقاء دون حق
إذا تمّ الطلاق، فلا يجوز للمرأة أن تبقى في بيت الزوج على غير ما أذن الشرع،
إلا في العدة، أو برضا الزوج ووفق الأحكام الشرعية.
فالبقاء بعد الطلاق وكأن العلاقة قائمةٌ أمرٌ محرّم، ويُعدّ تعديًا على حدود الله.
أما قبل الطلاق، فالاتفاق على العشرة بالمعروف مع حفظ الستر والاحترام
هو بابٌ واسع من الحكمة، ما دام يحقّق مصلحة الأبناء ويحفظ كرامة الطرفين.
سادسًا: الأم الصالحة تبني لا تهدم
المرأة العاقلة لا تنظر فقط إلى حاضرها،
بل ترى بعين الإيمان مستقبل أبنائها،
فتختار ما يُبقيهم مستقرين، هادئين، نشأوا في بيتٍ لا يُهدم كل يومٍ بالخصام أو الغياب.
والله تعالى وعد الصابرات بالثواب العظيم، فقال:
﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 153]
🌸 في موقع الزواج السعيد
نذكّر الزوجات بأنّ الطلاق ليس الحلّ الأول،
وأنّ الحكمة قد تكون أحيانًا في البقاء بالعقل لا بالعاطفة.
فمن استطاعت أن تحفظ بيتها بالتراضي دون ظلم،
وتُربي أبناءها في جوٍّ من الاحترام، فقد نالت أجر الصابرات،
وجعل الله في صبرها خيرًا كثيرًا.
الزواج ليس دائمًا سعادة مطلقة،
لكنّه ميثاقٌ يُختبر فيه الصبر والإحسان،
ومن صبرت لله، حفظ الله بيتها وبارك في ذريتها.

