بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

التعامل مع الأبناء في زمن الجوال والإنترنت

لقد أصبح الجوال والإنترنت جزءًا من حياة الجميع، كبارًا وصغارًا، حتى صار الأبناء يقضون ساعاتٍ طويلة أمام الشاشات. وهنا تكمن المسؤولية العظيمة على الوالدين في تربية الأبناء على الاستخدام الصحيح لهذه الوسائل، لتكون نعمة تقرّبهم من الله، لا نقمة تفسد قلوبهم وتضيّع أوقاتهم.

على الوالدين أن يدركا أن ترك الأبناء بلا متابعةٍ ولا توجيه في هذا العالم المفتوح خطرٌ عظيم. فكل صورةٍ أو مقطعٍ أو صديقٍ سيترك أثرًا في نفوسهم، إما خيرًا وإما شرًّا. لذا لا بدّ من وضع ضوابط واضحة ومحببة في التعامل مع الجوال، دون قسوةٍ ولا إهمال، بل بتوازنٍ يجمع بين الرقابة والرحمة.

ينبغي للوالدين أن يشرحا لأبنائهما أن الجوال أداة نافعة إذا استُخدمت في الخير — في طلب العلم، وسماع القرآن، ومتابعة الدروس المفيدة — لكنه باب خطر إن استُخدم في الحرام أو اللهو أو متابعة المقاطع الهابطة.
وهنا يأتي دور القدوة: فحين يرى الأبناء والديهم لا يُفرطون في الوقت أمام الهاتف، ويتحكّمون فيه ولا يتركونه يتحكم بهم، يتعلمون دون كلامٍ أن الانضباط عادةٌ جميلة.

كما يُستحب أن يُخصَّص للأبناء وقت محدد لاستخدام الإنترنت، وأن تُغلق الأجهزة عند النوم أو أثناء الجلسات العائلية، حتى لا ينعزل الأبناء عن واقعهم وأسرتهم.
وينبغي مراقبة ما يشاهدونه بحكمةٍ لا تزرع الشك أو التجسس، بل بلطفٍ وتعاونٍ وتوجيهٍ صادق، كأن يُسأل الابن: “ماذا تعلّمت اليوم؟” أو “هل أعجبك هذا المحتوى؟” لتُفتح قنوات الحوار والوعي.

ولا ننسى الجانب الإيماني في هذه المسألة، فلابد من تعليم الأبناء مراقبة الله قبل مراقبة الأهل، وأن يعلموا أن الله يراهم في الخفاء كما في العلن، وأن الخلوة بالشاشة لا تعني الخلوة عن عين الله.

إن حفظ الأبناء من فتن الإنترنت لا يكون بالمنع فقط، بل بغرس التقوى في قلوبهم، وتعبئة أوقاتهم بما ينفعهم، وتشجيعهم على القراءة والأنشطة والرياضة، حتى لا يبحثوا عن المتعة في طرقٍ منحرفة.

فالذكاء ليس في حرمان الأبناء من التكنولوجيا، بل في تعليمهم كيف يعيشون فيها بقلوبٍ طاهرةٍ ونفوسٍ واعيةٍ ترجو رضى الله. وهكذا تنشأ أجيالٌ تستخدم التقنية في الخير، وتبني مستقبلها دون أن تهدم دينها أو أخلاقها.