بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

وحدة الهدف في التربية

الطفل هو الثمرة المباركة للزواج، وهو الوديعة التي ائتمننا الله عليها. لكن هذه الوديعة لن تنمو نمواً سليماً إلا في بيئة تربوية متناغمة، لا يشعر فيها الأبناء بالتناقض بين توجيهات الأب وتوجيهات الأم. إنّ وحدة الهدف والمنهج بين الزوجين ليست مجرد تفضيل تربوي، بل هي ضرورة شرعية ونفسية لضمان سلامة بناء الطفل المسلم.

 

1. التناقض التربوي: أزمة تهدد البيت المسلم

عندما يختلف الوالدان على أسلوب التربية، ويصبح كل طرف يوجه الأبناء بطريقة مغايرة، فإن هذا يولد سلسلة من الآثار المدمرة:

  • تشتت هوية الطفل: ينشأ الطفل بلا مرجعية ثابتة، فلا يدرك الصواب والخطأ، ويهتز لديه مفهوم القدوة.
  • استغلال الفجوات: يتعلم الأبناء بسرعة استغلال ضعف أحدهما أو اختلافهما للحصول على ما يريدون، ويفقد الوالدان سلطتهما تدريجياً.
  • تأجيج الخلاف الزوجي: يصبح الخلاف التربوي سبباً متكرراً للنزاع بين الزوجين، مما يؤثر على المودة والرحمة في البيت.

 

2. الركائز الشرعية لوحدة الهدف التربوي

للتخلص من هذا التشتت، يجب على الزوجين الاتفاق على منهج تربوي إسلامي سليم، يرتكز على ما يلي:

 

أ. التوافق على المقاصد الكبرى

التربية في الإسلام هدفها الأسمى هو “العبودية لله”. يجب أن يتفق الوالدان على أن أولويات التربية هي:

  1. غرس العقيدة الصحيحة والتوحيد.
  2. تعليم الصلاة والعبادات في وقتها.
  3. غرس الأخلاق النبوية (الصدق، الأمانة، الإحسان).

إن التركيز على هذه المقاصد يوحّد الرؤية ويجعل التفاصيل الأخرى قابلة للتفاوض.

 

ب. القدوة المشتركة: تطبيق ما يُطلب

الوحدة التربوية ليست في الكلام فقط، بل في الفعل. لا يمكن للأب أن يطلب من ابنه الصلاة وهو يتأخر عنها، ولا للأم أن تطلب الصدق وهي تكذب على الهاتف. الأبناء يراقبون تصرفات الوالدين المشتركة قبل أن يستمعوا إلى أوامرهما. إن توحيد القدوة هو أعظم درس عملي يمنحه الزوجان لأبنائهما.

 

ج. فقه “كلمة السر” المشتركة

يجب أن يتفق الزوجان على آلية للتدخل في المواقف الحرجة. فمثلاً، إذا قام أحد الوالدين بتأديب الطفل، لا يحق للآخر أن يكسر هذا التأديب أمام الطفل.

  • القاعدة: يجب أن يظهر الوالدان أمام الأبناء بمظهر الفريق الواحد، وإذا كان للأم رأي آخر في قرار الأب، أو العكس، فلتُناقش المسألة بينهما في خلوة بعيداً عن سمع الأبناء.
  • الهدف: الحفاظ على هيبة وقيمة “القرار الأبوي/الأمومي” في نظر الطفل.

 

3. خطوات عملية لبناء المنهج المشترك

إن الوحدة التربوية تتطلب جهداً واجتماعاً مستمراً. هذه خطوات عملية يمكن للزوجين تطبيقها:

  1. جلسة التخطيط الأسبوعية: تخصيص وقت أسبوعي (أو شهري) لمناقشة التحديات التربوية الجديدة، وتقييم السلوكيات الأخيرة للأبناء، ووضع خطة موحدة للأسبوع القادم.
  2. الاتفاق على الضوابط: تحديد العقوبات والمكافآت المتفق عليها مسبقاً، والتأكد من التزام الجميع بها دون تهاون أو تفريط.
  3. دراسة المنهج: القراءة المشتركة لكتب التربية الإسلامية، أو متابعة دروس العلماء المتخصصين في فقه الأسرة، ليكون مرجع الزوجين في التربية هو العلم الشرعي السليم، وليس العاطفة أو الأهواء.

الخلاصة: إن مهمة التربية شاقة، ولكنها يسيرة إذا قام بها الزوجان ككيان واحد متكامل، يعمل بمنهج إسلامي متفق عليه. وعندها، ينشأ الطفل على الطمأنينة والثبات، وتتحقق مقاصد الزواج في بناء أسرة مسلمة مستقرة وناجحة.