بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

كفر الأبناء… مصيبة العصر وابتلاء الأجيال

حين يبتعد الأبناء عن الله… فاعلم أن الخلل في التربية والقدوة


أولًا: أخطر ما يُبتلى به بيتٌ مسلم

من أعظم المصائب التي يمكن أن تنزل ببيتٍ مؤمن أن يُفتن أحد الأبناء في دينه،
فيكفر بالله أو يسخر من الإسلام، أو يستهزئ بالقرآن والأنبياء.
إنها مصيبة في الدين، لا تعادلها مصيبة في الدنيا.

قال الله تعالى:

﴿وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾
[المائدة: 5]

فما بالنا اليوم نرى من أبنائنا من يتجرّأ على الدين، أو يسخر من شعائره، أو يشكّ في ربّه؟
أليست هذه جرحًا في قلب الأمة قبل أن تكون خطأً في فرد؟


ثانيًا: جذور الظاهرة وأسبابها

هذه الفتنة لم تولد صدفة، بل لها أسباب كثيرة اجتمعت حتى أثمرت هذا الداء الخطير:

🔹 ضعف التربية الإيمانية في البيوت
كثير من الآباء اليوم يهتمون بتعليم أولادهم الدنيا، وينسون تعليمهم الدين،
فنشأ جيل يعرف أسماء المشاهير أكثر مما يعرف أسماء الصحابة،
ويخشى الفشل في الدراسة أكثر مما يخشى غضب الله.

🔹 الإعلام الموجَّه والشبهات المنتشرة
منصات التواصل اليوم تعجّ بمَن يطعن في الإسلام باسم الحرية والعقل،
وشبابنا يتلقون هذه الأفكار بلا علمٍ يحصّنهم، ولا قدوةٍ تردّهم.

🔹 المدارس والمعلمون
حين يغيب القدوة الصالحة من المعلمين، ويُدرّس الأبناء من لا يغار على الدين،
تُزرع الشكوك بدل اليقين، ويُقدَّم العقل على الوحي في كل شيء، حتى تضيع البوصلة.

🔹 سوء الصحبة
صاحب السوء أخطر من ألف كتابٍ منحرف،
فما أكثر ما بدأ الانحراف بكلمة صديقٍ مستهزئ، أو نقاشٍ ساخر، أو مجموعةٍ على الإنترنت تبثّ الشكوك.


ثالثًا: دور الآباء في حماية العقيدة

الوقاية تبدأ من البيت، فالأب والأم مسؤولان أمام الله عن إيمان أولادهما،
قال النبي ﷺ:

«كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته.»
[متفق عليه]

ومن وسائل التحصين:

🌿 غرس الإيمان منذ الصغر
علّمهم أسماء الله، وعرّفهم بنعمه، وأخبرهم عن الجنة والنار بأسلوبٍ محبّبٍ لقلوبهم.

🌿 الحوار لا التوبيخ
حين تسمع من ابنك سؤالًا في العقيدة، لا تصرخ فيه، بل اجلس وناقشه برفق.
فكثير من الشباب لم يُكفِر عن قصد، بل عن جهلٍ وتساهلٍ وسوء فهم.

🌿 القدوة العملية
من يرى أباه يستهين بالصلاة، أو أمه تهمل الحجاب،
كيف يتوقع منه أن يُعظّم الدين وهو لا يراه مطبّقًا في بيته؟

🌿 اختيار البيئة النظيفة
احرص على أن تكون مدرسة ابنك، ورفاقه، ومن يتابعهم عبر الإنترنت — كلهم — من بيئةٍ محافظةٍ تُعينه على الثبات.


رابعًا: دور المعلّمين والدعاة

المعلمون هم حماة العقول بعد الآباء،
ومدرّس العقيدة ليس مجرد ناقلٍ للمعلومة، بل هو بناءٌ للإيمان في القلوب.

فعليهم أن يقدّموا الدين بروحه الجميلة، لا كأوامر جافة،
وأن يغرسوا في نفوس الطلبة محبة الله ورسوله، قبل الحديث عن العقوبات والأوامر.

وليكن شعار كل معلم:

“علّمتُه ليؤمن، لا ليحفظ فقط.”


خامسًا: كيف نعيد أبناءنا إلى الإيمان؟

🔸 بالقدوة الرحيمة لا القسوة.
🔸 بالعلم الصحيح لا بالجهل والتقليد.
🔸 بالدعاء لهم في الليل، لا بالدعاء عليهم في الغضب.

فالله قادر على أن يهدي القلوب بعد ضلالها،
قال تعالى:

﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ﴾
لكنّه أيضًا قال:
﴿إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ﴾

فباب التوبة لا يُغلق ما دام القلب ينبض والروح في الجسد.


🌺 في موقع الزواج السعيد

نذكّر الآباء والمربين أن الإيمان هو رأس مال الأبناء،
فإن ضاع الدين، ضاعت الأخلاق، وتلاشت المحبة، وانهارت البيوت من داخلها.

فلنحرص على أن نكون لهم حصنًا من الفتن،
نزرع في قلوبهم حب الله ورسوله،
ونجعل من بيوتنا مدارس إيمان قبل أن تكون مساكن راحة.

فأعظم ميراثٍ تتركه لابنك ليس مالك ولا شهادتك،
بل إيمانه بالله وثباته على دينه.