بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

فقه اللسان عند الغضب 

إن العلاقة الزوجية في الإسلام ليست مجرد ارتباط عاطفي، بل هي ميثاق غليظ، أساسه السكينة والرحمة. ولكن لا يخلو بيت من الخلاف، فالحياة الزوجية مزيج من السراء والضراء. المشكلة الحقيقية ليست في وقوع الخلاف، بل في إدارة هذا الخلاف، وتحديداً في لحظة الغضب التي قد يطلق فيها اللسان كلمة جارحة أو قاسية، تكون بمثابة رصاصة قاتلة لقلب الشريك، تنسف معه عشرات السنين من المودة.

 

1. الكلمة الجارحة: سهم الشيطان في لحظة الغضب

يُعدّ الغضب مدخلاً عظيماً للشيطان. في تلك اللحظة، يتجرّد الإنسان من حِكمته، وتكون الكلمات التي تُقال أشد فتكاً من أي فعل. الكلمة في هذه الحالة لا تكون مجرد تعبير عن الضيق، بل هي:

  • هدم فوري للذكريات: قد تُنسي كلمة قاسية واحدة كل الإحسان والمعروف والسنين الجميلة التي مرت بين الزوجين.
  • باب للندم الأبدي: كثير من حالات الطلاق التي يندم عليها الطرفان تكون نتيجة كلمة طائشة غير مقصودة قيلت في لحظة فقدان السيطرة على النفس.
  • قتل للثقة والأمان: الإساءة اللفظية المتكررة، أو حتى الكلمات المهينة، تُفقد الشريك شعوره بالأمان في العلاقة، وتجعله يعيش حالة ترقب وهشاشة دائمة.

لقد حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من اللسان، حتى في أوقات الهدوء، فكيف به في وقت الفتنة والغضب!

 

2. الإحسان القولي: المنهج النبوي في التعامل

لقد أمرنا الله بالإحسان في كل شيء، والإحسان في القول مع شريك الحياة هو من أعظم أنواع القربات، خاصة عند الغضب.

 

أ. قاعدة “القول اللين”

إن الهدوء والصمت عند الغضب ليس ضعفاً، بل هو عين الحكمة والامتثال لأمر النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا غضب أحدكم فليسكت”. السكوت يقطع على الشيطان وساوسه، ويمنع كلمة الطلاق أو الكلمة الجارحة من الخروج. تذكر أنك تتعامل مع شريكك بـ ميثاق غليظ وليس بصفقة قابلة للكسر بكلمة.

 

ب. الابتعاد عن “المحظورات القولية”

يجب على الزوجين وضع خطوط حمراء قولية لا يجوز تجاوزها مهما بلغ الغضب:

المنهي عنه الأثر المدمر
الطعن في الأصل والأهل يكسر حاجز الاحترام بين العائلتين، ويُدخل العلاقة في صراع لا نهاية له.
المنّ بالإحسان والماضي تذكير الشريك بفضلك عليه أو بإخفاقات الماضي يُشعر الطرف الآخر بالدونية وعدم التقدير.
التلفظ بالطلاق أو التهديد به يُزلزل أركان البيت، ويُفقد الشريك الإحساس بالاستقرار والأمان العاطفي.
السب والشتم والكلام البذيء يتنافى مع مبدأ المودة والرحمة، ويجعل العلاقة الزوجية تهبط إلى مستوى متدني غير لائق بالمسلمين.

 

3. العلاقة بين اللسان والندم

كلمة الغضب التي تُطلق كالسهم، لا يمكنك استردادها أبداً. كثير من الأزواج يندمون فوراً بعد زوال موجة الغضب، لكن أثر الكلمة يبقى. إن العناية بالقول في لحظة الغضب هو بمثابة فقه للندم؛ أي منع للندم من الحدوث أصلاً.

نصيحة أخيرة للمقبلين على الزواج وللمتزوجين: عندما يثور الخلاف، تذكروا مقاصد الزواج العظيمة. ليس الخلاف هو النهاية، بل هو اختبار لمقدار المودة الكامنة بينكما. إن استطعتما أن تدِيرا الخلاف بحُسن القول والتحكم في اللسان، فقد نجحتم في أكبر امتحان للحياة الزوجية.