خصوصية العلاقة الزوجية وأثرها في تربية الأبناء
الزواج في الإسلام رابطة تقوم على الستر والحياء، وجعل الله بين الزوجين مودة ورحمة، ليكونا سكنًا لبعضهما، بعيدًا عن أعين الناس وفضولهم.
ومن أهم مظاهر الحكمة في الحياة الزوجية أن تُصان خصوصية العلاقة الزوجية، فهي من أعظم الأسرار التي يجب أن تبقى بين الزوجين فقط، لا تُكشف ولا تُلمّح، لأنها موطن سترٍ وحياءٍ وشرفٍ.
⚖️ أولًا: العلاقة الزوجية عبادة لا يُجهر بها
العلاقة بين الزوجين ليست مجرد شهوة، بل هي عبادة يؤجران عليها إذا كانت في الحلال، قال النبي ﷺ:
«وفي بُضع أحدكم صدقة»
قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟
قال: «أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر.»
(رواه مسلم)
لكن هذه العبادة لا تكون عبادةً حقيقية إلا إذا غُلّفت بالحياء والستر، ولهذا قال النبي ﷺ:
«إن من أشرّ الناس عند الله منزلةً يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه، ثم ينشر سرّها.»
(رواه مسلم)
🌿 ثانيًا: وجوب حفظ سرّ العلاقة الزوجية
من تمام المروءة والإيمان أن يكتم الزوجان ما يجري بينهما في الفراش، فلا يُذكر ذلك أمام صديقة أو قريب أو على وسائل التواصل، لأن هذا الأمر حرام شرعًا ومنافٍ للحياء الذي هو من خصال الإيمان.
وقد حذّر النبي ﷺ من كشف هذه الأسرار فقال:
«هل منكم الرجل إذا أتى أهله ثم أغلق عليه بابه وألقى ستره واستتر بستر الله؟» قالوا: نعم. قال: «ثم يجلس بعد ذلك فيقول: فعلت كذا وكذا؟» فسكتوا، فقالت امرأة: نعم يا رسول الله إنهم ليفعلون، وإنهن ليفعلن. قال: «فلا تفعلوا، فإنما ذلك مثل شيطان لقي شيطانة في طريق فغشيها والناس ينظرون.»
(رواه أحمد وأبو داود)
🏡 ثالثًا: أثر إهمال الستر أمام الأبناء
من الأخطاء الكبيرة أن يسمع الأبناء أو يشاهدوا تصرفاتٍ غير لائقة بين والديهم، حتى لو كانت مجرد مزاح أو تقارب زائد أمامهم، لأن ذلك يُحدث في نفوس الأطفال اضطرابًا نفسيًا وفضولًا مبكرًا تجاه ما لا يفهمونه.
وقد ثبت في الدراسات النفسية أن رؤية الطفل أو سماعه لمشاهد حميمية بين والديه تؤثر على توازنه العاطفي والسلوكي، وقد تولّد لديه ميولًا مبكرة أو اضطرابًا في النظرة للعفة والحياء.
لذلك ينبغي أن يحرص الزوجان على:
-
غلق الأبواب جيدًا أثناء العلاقة.
-
عدم رفع الصوت أو ترك ما يدلّ على ذلك.
-
عدم تبادل الألفاظ أو التصرفات الخاصة أمام الأبناء حتى لو كانوا صغارًا.
-
تربية الأبناء على الحياء والتستر منذ الصغر.
💬 رابعًا: التربية بالقدوة والحياء
الأبناء يتعلّمون الحياء من بيئة البيت أولًا، فإذا رأوا والديهم يتعاملان باحترامٍ ووقارٍ، نشأوا على الطهر، أما إن رأوا تصرفاتٍ محرجة أو كلماتٍ خارجة، فسيضعف في نفوسهم خلق الحياء.
الزوجان الصالحان لا يتركان أبناءهما يسمعون أو يرون ما يُضعف دينهم، بل يحرصان أن يكون البيت كله قائمًا على الستر والعفة، لأن ذلك هو الأساس في بناء أسرة مسلمة نقية.
🌸 خامسًا: العلاقة الزوجية سرّ لا يُباح به
من الواجب أن يعلم الزوجان أن العلاقة الخاصة ليست حديثًا للتسلية ولا يُذكر منها شيء أمام أحد،
بل هي سرّ بين اثنين جمع الله بينهما بالحلال، وهي موضع سترٍ وحياءٍ واحترام.
ومن يفشي سرّها أو يستخفّ بحرمتها فقد خالف أمر الله ورسوله،
وفقد جزءًا من مروءته ودينه، لأن العلاقة الزوجية في الإسلام شرف لا يُتاجر به ولا يُكشف.
🌺 خاتمة
الحياء هو زينة المؤمنين، والستر هو أساس البيت المسلم.
فليحرص الزوجان على أن تكون علاقتهما الخاصة بعيدة عن أنظار الأبناء وآذانهم، وأن تُصان من الحديث عنها أو الإشارة إليها.
فما بُني على الستر دام، وما انكشف فسد.
والبيت الذي يُقام على الحياء والاحترام هو بيتٌ تُباركه الملائكة، وتغشاه السكينة، وتعلو فيه المودة والرحمة.

