العلاقة الخاصة بين الزوجين ليست أمرًا دنيويًا محضًا، بل هي جزء من منظومة الزواج الشرعي في الإسلام، وقد جعلها الله ﷻ سببًا في الألفة والمودّة والتراحم، وسبيلاً لإعفاف النفس، وبناء الأسرة.
ومع أن الإسلام دين الحياء، إلا أنه دين شامل لا يُهمل جانبًا من جوانب الحياة، وقد تناول هذا الموضوع بميزان دقيق يجمع بين الطهر والواقعية، وبين الضوابط والرحمة.
قال الله تعالى:
﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ﴾ [البقرة: 187]
فهذا التعبير القرآني البليغ يدل على مدى القرب، والستر، والسكينة التي ينبغي أن تسود العلاقة الخاصة بين الزوجين.
أولًا: مشروعية العلاقة الخاصة في الإسلام
- العلاقة الزوجية حق مشترك بين الزوجين، لا يُنظر إليه كغريزة بهيمية، بل هو عبادة إذا أُريد بها وجه الله.
- قال النبي ﷺ:
“وفي بُضع أحدكم صدقة”
قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال:
“أرأيتم لو وضعها في حرام، أكان عليه وِزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر”
رواه مسلم.
ثانيًا: آداب العلاقة الخاصة بين الزوجين
1. النية الصالحة
ينبغي للزوجين أن ينويَا بهذه العلاقة الإعفاف، وحفظ النفس، والتقرّب إلى الله ﷻ.
2. البدء بالدعاء
من هدي النبي ﷺ أن يُقال عند الجماع:
“بِسْمِ اللهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا”
رواه البخاري ومسلم.
3. الرفق وعدم الإكراه
قال ﷺ:
“خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي”
رواه الترمذي.
وعليه، فلا يجوز للرجل أن يُجامع زوجته بفظاظة أو دون رغبتها، إلا إن كان الأمر بالمعروف، وبرفق ورحمة.
4. التحفّظ من كشف العورة لغير حاجة
ولو بين الزوجين، فالإسلام يحث على الحياء حتى في العلاقات الخاصة. قال ﷺ:
“احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك”
رواه الترمذي، وهو حديث حسن.
5. الاغتسال بعد الجماع
وهو من السنن الثابتة. وقد قال ﷺ:
“إذا جلس بين شعبها الأربع، ثم جهدها، فقد وجب الغُسل”
رواه مسلم.
ثالثًا: ضوابط شرعية مهمة
✅ ما يجوز:
- الاستمتاع الكامل بين الزوجين في كل ما أباحه الشرع.
- تقبيل الزوجة، وملاطفتها، والملاعبة قبل الجماع (التدرج في العلاقة).
- التزين للطرف الآخر، فقد كان ابن عباس يقول:
“إني أحب أن أتزين لزوجتي، كما أحب أن تتزين لي”.
❌ ما لا يجوز:
- الجماع في زمن الحيض أو النفاس:
قال الله تعالى:
﴿فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ﴾ [البقرة: 222] - الجماع في الدبر:
قال النبي ﷺ:
“ملعون من أتى امرأة في دبرها”
رواه أبو داود وصححه الألباني. - التشبه بالكافرين في الفواحش أو أوضاع مخالفة للفطرة.
- إفشاء ما يكون بين الزوجين:
قال ﷺ:
“إن من أشرّ الناس عند الله منزلة يوم القيامة: الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه، ثم ينشر سرها”
رواه مسلم.
رابعًا: العلاقة الخاصة ليست حقًا للرجل فقط
- يجب على كل من الزوج والزوجة مراعاة رغبة الآخر، وعدم الامتناع دون عذر شرعي أو بدني.
- قال النبي ﷺ:
“إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه، فأبت، فبات غضبان، لعنتها الملائكة حتى تصبح”
رواه البخاري.
لكن هذا مشروط بكون الدعوة بغير ظلم أو تعسّف.
وفي المقابل، ينبغي للزوج أن يُراعي حال زوجته، ولا يُكرهها، أو يهينها، أو يفرض العلاقة وهي في مشقة أو تعب، فهذا يتنافى مع حسن العشرة.
خامسًا: المعاشرة بالمعروف تشمل ما بعد العلاقة
من الإحسان أن يُحسن الزوجان لبعضهما بعد العلاقة، من كلمة طيبة، أو لمسة حانية، أو دعاء صادق، فذلك يُبقي على المودة، ويزيد من الرحمة، ويُبعد الفتور.
خاتمة
العلاقة الخاصة في الإسلام ليست أمرًا معيبًا أو محرجًا، بل هي باب من أبواب الطهارة، ووسيلة من وسائل بناء أسرة متماسكة، إذا ضُبطت بالشريعة، وخُلقت لها بيئة من الرحمة والاحترام.
ومن أراد زواجًا مباركًا، فليؤسس علاقته الخاصة على التقوى والرفق، كما أرشدنا النبي ﷺ.