الزوج البخيل وكيفية التعامل معه بحكمة
الزواج في الإسلام شراكة تقوم على المودة والرحمة، والتكافل بين الزوجين في السراء والضراء، قال الله تعالى:
﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾
[النساء: 19]
ومن أعظم صور “المعروف” أن يكون الزوج كريمًا في نفقته، ينفق على أهله بسخاءٍ واعتدال، لا إسرافًا ولا تقتيرًا.
لكن حين يبتلي الله الزوجة بزوجٍ بخيلٍ في النفقة، تمسك يده عن الواجب الشرعي، وتضيق معيشة أهله رغم قدرته، يكون الصبر والرفق مع الحكمة سبيل التعامل الصحيح مع هذا البلاء.
⚖️ أولًا: حكم البخل في الإسلام
البخل من الصفات المذمومة التي ذمّها الله ورسوله ﷺ، قال تعالى:
﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ﴾
[آل عمران: 180]
وقال النبي ﷺ:
«اتقوا الشح، فإن الشح أهلك من كان قبلكم»
(رواه مسلم).
والبخل لا يضر صاحبه فقط، بل يمتد أثره إلى أسرته كلها، فيزرع التوتر والضيق ويُذهب المودة من القلوب.
🌿 ثانيًا: آثار البخل على الحياة الزوجية
البخل من أكثر الصفات التي تُنغّص الحياة الزوجية، إذ يؤدي إلى:
-
حرمان الزوجة والأبناء من أبسط حقوقهم المادية والمعنوية.
-
شعور الزوجة بالإهانة والنقص، حين تُضطر لطلب حاجاتها الضرورية.
-
ضعف المودة بين الزوجين، لأن الكرم يقوّي الحب، والبخل يُميت المشاعر.
-
فقدان الاحترام، لأن الزوجة لا ترى في زوجها رجلاً كريماً أو مسؤولاً.
-
اضطراب الأسرة وتدهور الثقة، حين تُنفق الزوجة من مالها دون مشاركةٍ عادلة من الزوج.
💬 ثالثًا: كيف تتصرف الزوجة مع الزوج البخيل؟
إذا ابتُليت المرأة بزوجٍ بخيل، فعليها أن تتصرّف بحكمةٍ وصبر، وأن تسعى للإصلاح دون خصامٍ أو قطيعة، وذلك عبر الخطوات التالية:
1. النصح بالحكمة واللين
لتذكّره بأن النفقة واجب شرعي ومسؤولية أمام الله، قال النبي ﷺ:
«كفى بالمرء إثمًا أن يضيّع من يعول.»
(رواه أبو داود).
يمكنها أن تقول له بلطف:
“النفقة علينا ليست تفضّلاً منك، بل هي عبادة تُثاب عليها إن أخلصت فيها النية.”
2. تجنّب الإهانة أو السخرية
فالسخرية تزيد العناد، بينما اللطف يلين القلوب. فلتكن كلماتها رفيقة، تتجنب المقارنة بالآخرين أو إثارة الغضب.
3. إشراك شخص حكيم من أهله أو أهلها
إن لم يجدِ النصح، يمكن الاستعانة بشخصٍ عاقلٍ من الأقارب ليذكّره بحقوق الزوجة الشرعية وبواجباته المالية.
4. التفاهم على إدارة المال
بعض الأزواج ليسوا بخلاء فطرةً، ولكنهم سيئو التدبير أو يخشون المستقبل. فلتقترح الزوجة وضع ميزانية عادلة تحفظ حق الجميع وتمنع الإسراف.
5. أخذ الحق بالحكمة عند الضرورة
إذا امتنع الزوج عن النفقة الواجبة مع قدرته، جاز للزوجة أن تأخذ من ماله قدر حاجتها دون علمه، كما قالت هند بنت عتبة للنبي ﷺ:
“يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، فهل عليّ جناح أن آخذ من ماله ما يكفيني وولدي؟”
فقال ﷺ: «خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك وولدك.»
(رواه البخاري).
🚫 رابعًا: متى يكون البخل سببًا للفراق؟
إن استمر الزوج في بخله، ورفض النفقة الواجبة، وأصبحت الزوجة وأولادها في ضيقٍ ومعاناة، فلها أن ترفع أمرها إلى القاضي الشرعي ليُلزمه بالنفقة أو يفسخ العقد إن أصرّ على امتناعه.
فالزواج لا يقوم على إمساكٍ ظالم، وإنما على إحسانٍ وعدل، قال تعالى:
﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾
[البقرة: 229]
🌸 خامسًا: طريق الإصلاح والتوبة
من تاب من البخل وأنفق مما رزقه الله، عوّضه الله خيرًا وبارك له في رزقه.
قال تعالى:
﴿وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ﴾
[سبأ: 39]
وعلى الزوج أن يدرك أن الكرم لا يُنقص المال، بل يزيده، وأن الزوجة التي تصبر وتعين زوجها على الخير مأجورة عند الله.
🌺 في موقع الزواج السعيد
نؤمن أن الكرم والإنفاق بالمعروف من أهم ركائز الحياة الزوجية السعيدة، وأن البخل سببٌ رئيسي لزوال المودة وضيق الصدر.
وننصح كل مقبلٍ على الزواج أن يتحرى الاعتدال في الإنفاق، وأن يتذكّر أن النفقة ليست عبئًا، بل قُربةٌ إلى الله تُكتب له في ميزان حسناته.

