بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

الزواج في الإسلام ليس مجرد علاقة اجتماعية، بل هو ميثاق غليظ، وبداية لبناء أسرة مسلمة مستقرة. ومن حكمة الشريعة أن دعت إلى التثبت والتروي قبل الإقدام على هذا العقد العظيم، وذلك من خلال التحري والسؤال عن الطرف الآخر، سواء كان الخاطب أو المخطوبة، بما يحفظ الحقوق، ويقي من الندم والخلاف بعد الزواج.

متى يبدأ التحري؟

ينبغي أن يبدأ التحري والسؤال قبل الخطبة وقبل الرؤية الشرعية، لأن الخطبة تأتي بعد القبول المبدئي، والرؤية الشرعية إنما شرعت بعد غلبة الظن بوجود رغبة في الزواج. فلا يُطلب النظر ولا يُعطى الوعد ما لم يُعرف حال الطرف الآخر من حيث الدين والخلق والاستعداد لتحمل مسؤولية الزواج.

الدليل الشرعي على أهمية السؤال

قال النبي ﷺ:
“إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض”
رواه الترمذي.

وفي هذا الحديث النبوي توجيه صريح بالسؤال عن الدين والخلق، وهما أساسان لا غنى عنهما في اختيار الشريك.

ما الأمور التي يُسأل عنها؟

بالنسبة للخاطب:

  • الدين والاستقامة: هل يصلي؟ هل يحافظ على الفرائض؟ هل يتجنب المحرمات الظاهرة؟

  • الخلق والمعاملة: كيف يتعامل مع أهله؟ هل يعرف بالصدق والكرم وحسن العشرة؟

  • الاستقرار المادي والوظيفي: هل يملك ما يعينه على النفقة؟ وهل لديه وظيفة مستقرة؟

  • الطباع الشخصية: هل هو عصبي؟ صبور؟ كيف يعالج الخلافات؟

بالنسبة للمخطوبة:

  • الدين والحياء: هل تظهر عليها علامات التدين؟ هل تعرف بالعفة والحشمة؟

  • العقل والرزانة: هل تحسن التصرف؟ هل تتسم بالحكمة؟

  • العلاقات الاجتماعية: كيف تعامل أهلها؟ ما نظرة الناس إليها؟

من يُسأل؟

من الحكمة أن يتم السؤال من عدة مصادر:

  • الجيران والمعارف الذين يعرفون حال الشخص عن قرب.

  • أئمة المساجد أو المعلمين إن كان له تواصل معهم.

  • الأصدقاء الثقات، لا سيما القدماء منهم.

ويُراعى أن يكون السؤال بأدب، دون تجسس أو فضول، بل بقصد الاستعلام المشروع.

هل يجوز إخفاء بعض العيوب؟

لا يجوز الكذب أو إخفاء العيوب المؤثرة، فالمجاملة على حساب مستقبل الطرف الآخر ظلم. قال النبي ﷺ:
“المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يكذبه ولا يحقره”
رواه مسلم.

الفرق بين التحري والتجسس

التحري المشروع يعني البحث عن صفات ظاهرة تؤثر في قرار الزواج، أما التجسس فهو التتبع المحرم لأسرار الناس وخفاياهم، وقد نهى الله تعالى عنه بقوله:
﴿وَلَا تَجَسَّسُوا﴾ [الحجرات: 12]

الخاتمة

الزواج خطوة مصيرية، والشرع لم يتركها للظنون أو العواطف وحدها. ومن تمام العقل والتقوى أن يُسأل عن الشريك قبل الإقدام على الخطبة أو الرؤية الشرعية، فبذلك تُصان القلوب، وتُبنى الأسر على أسس راسخة من الثقة والرضا.