بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

التأخر في الإنجاب… ابتلاء يحتاج إلى إيمانٍ وصبرٍ وثقة بالله

الزواج في الإسلام ميثاق يقوم على المودة والرحمة، وقد جعله الله سكنًا للطرفين، قال تعالى:

﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾
[الروم: 21]

ومن نعم الله على عباده أن يرزقهم الذرية الصالحة، فهي زينة الحياة الدنيا، كما قال تعالى:

﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾
[الكهف: 46]

لكن أحيانًا يتأخر هذا الرزق لحكمةٍ يعلمها الله وحده، فيكون التأخر في الإنجاب ابتلاءً يمتحن الله به صبر الزوجين وإيمانهما، لا حرمانًا ولا عقوبة.


🌿 أولًا: التأخر في الإنجاب ابتلاء لا غضب

كثير من الأزواج والزوجات يظنون أن تأخر الحمل علامة على غضبٍ من الله، وهذا خطأ.
فالله تعالى يوزع الأرزاق بحكمته، وقد يؤخر بعض النعم ليُظهر صدق العبد وصبره.

قال تعالى:

﴿لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾
[الشورى: 49-50]

فالله هو الواهب، يعطي من يشاء متى يشاء، ويمنع لحكمةٍ يعلمها.


💫 ثانيًا: مواقف الأنبياء والصالحين من هذا الابتلاء

تأملوا قصة نبي الله زكريا عليه السلام، حين بلغ من الكِبر عتيًّا، ولم يرزقه الله ولدًا، فلم ييأس، بل دعا ربه بقلبٍ موقنٍ:

﴿رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ﴾
[الأنبياء: 89]

فاستجاب الله له ووهبه يحيى عليه السلام.
وهكذا المؤمن، يدعو ولا ييأس، ويثق أن الله لا يُضيع دعاءً صادقًا ولا دمعًا خاشعًا.


💬 ثالثًا: كيف يتعامل الزوجان مع تأخر الإنجاب؟

1. الصبر والرضا بقضاء الله

أول ما يحتاجه الزوجان هو الإيمان بأن ما كتبه الله خير، فربّ تأخيرٍ ظاهره ألم وباطنه رحمة.
قال النبي ﷺ:

«عجبًا لأمر المؤمن! إن أمره كله له خير… إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له.»
(رواه مسلم)

2. كثرة الدعاء واللجوء إلى الله

فالدعاء مفتاح الرزق، والله قريبٌ مجيب، قال تعالى:

﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾
[غافر: 60]

فليكثر الزوجان من الدعاء في السجود، وفي الأسحار، وفي أوقات الإجابة، فرب دعوةٍ واحدةٍ تفتح أبواب السماء.

3. الأخذ بالأسباب الطبية المشروعة

الإيمان لا يعني ترك الأسباب. فليستشر الزوجان الأطباء الثقات، دون يأسٍ أو تسرّعٍ، مع الحفاظ على الضوابط الشرعية في الفحوص والعلاج.

4. تجنّب اللوم والعتاب بين الزوجين

كثير من البيوت تتفكك بسبب تبادل الاتهامات.
فليتذكّر كلٌّ منهما أن المسألة قدرٌ من الله، لا ذنب لأحد فيه.
ولتكن عباراتهما دائمًا: “نحن معًا في هذا الابتلاء.”

5. إشغال الحياة بالطاعة والعمل الصالح

بدل الانشغال بالحزن، ليُعمّرا حياتهما بالعبادة والذكر والصدقة ومساعدة الضعفاء، فذلك يُطمئن القلوب ويجلب البركة.

6. التوسع في معنى “الذرية الصالحة”

ليس كل من لم يُرزق ولدًا حُرم الذرية؛ فكم من إنسانٍ ربّى يتيمًا أو علّم طالبًا أو نفع الناس بعلمه، فكان له أجر “ذريةٍ ممتدةٍ إلى يوم القيامة.”


🚫 رابعًا: احذروا من اليأس أو الوساوس

الشيطان يستغل لحظات الضعف ليزرع الحزن في القلب، فيُشعر الزوجين بالنقص أو يقلّل من إيمانهما.
فليعلما أن اليأس من رحمة الله كبيرة من الكبائر، قال تعالى:

﴿إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾
[يوسف: 87]

وليستبشرا بأن التأخير ليس رفضًا، بل إعدادٌ لنعمةٍ أعظم في وقتٍ يعلمه الله.


🌸 خامسًا: الثمرات الإيمانية لهذا الابتلاء

  • يقوّي الصبر والإيمان والاعتماد على الله.

  • يُعمّق الحب بين الزوجين حين يساند كلٌّ منهما الآخر.

  • يُطهّر القلب من التعلق بالدنيا، ويزيد التعلق بالآخرة.

  • يجعل الإنسان أكثر إحساسًا بالآخرين ورحمةً بهم.


🌺 في موقع الزواج السعيد

نذكّر كل زوجين تأخرا في الإنجاب أن التأخير ليس حرمانًا، بل اختبارًا من الله لحكمٍ يعلمها وحده.
ونحثّهم على الصبر، والرضا، وكثرة الدعاء، والأخذ بالأسباب المشروعة.
فالذرية رزق، والرزق بيد الله، ومن رضي بقضائه أورثه الله سكينةً في قلبه، وبركةً في حياته، وربما عوّضه من حيث لا يحتسب.