الحياة الزوجية لا تقتصر على العلاقة بين الزوجين فقط، بل تمتد لتشمل أسرهم، لا سيما أهل الزوج وأهل الزوجة، مما يستدعي وعيًا شرعيًا وأخلاقيًا بكيفية التعامل معهم.
وقد اعتنى الإسلام بهذه العلاقة، فحضّ على حسن الخُلق، وصلة الرحم، والمعاملة بالمعروف، لما لها من أثر بالغ في استقرار الحياة الزوجية، وإشاعة المحبة بين العائلتين.
أولًا: الأساس الشرعي في التعامل مع الأهل
قال الله تعالى:
﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ [البقرة: 83]
وقال النبي ﷺ:
“ليس المؤمن بالطعّان، ولا اللعّان، ولا الفاحش، ولا البذيء”
رواه الترمذي.
فهذه النصوص تدل على أن حسن الخلق واجب في كل حال، ويتأكد مع من تربطنا بهم علاقة مصاهرة، لما في ذلك من أثر مباشر على الحياة الزوجية.
ثانيًا: التعامل مع أهل الزوج
1. الإحسان إلى والدي الزوج واحترامهم
الزوجة الصالحة تجعل من برّ زوجها بوالديه وسيلة للتقرب إلى الله، وتعينه على ذلك، بل وتبرّهم هي بنفسها قدر الاستطاعة.
قال الله تعالى:
﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [الإسراء: 23]
وإن لم تكن الزوجة مُكلّفة شرعًا ببرّ والدَي زوجها، إلا أن البر والمعروف والإكرام من مكارم الأخلاق، وهو مما يزرع المحبة في القلوب، ويجعلها قريبة من زوجها وأهله.
2. التودد إلى أخوات الزوج وأهله بالحسنى
من أسباب استقرار الزواج: تجنّب الغيرة من علاقة الزوج بأهله، وتقديم الكلمة الطيبة لهم، وتجنّب الدخول في الخلافات الصغيرة أو الحساسية الزائدة.
قال ﷺ:
“الكلمة الطيبة صدقة”
رواه البخاري ومسلم.
3. الحذر من الشكوى والتذمر
ينبغي أن تُحسن الزوجة عرض مشكلاتها، فإن حدثت مضايقات، تُعالج بحكمة وهدوء، دون التوسّع في الشكوى أو تشويه صورة أهل الزوج، خصوصًا أمام الآخرين.
ثالثًا: التعامل مع أهل الزوجة
1. الإحسان إلى والدَي الزوجة
على الزوج أن يبرّ أهل زوجته، خاصة والديها، وأن يُظهر الاحترام والتقدير، ويُراعي شعورهم، ويعاملهم كما يحب أن يُعامل والداه.
وقد قيل:
“من أكرم أهل زوجته، أكرمه الله بها”
2. التقدير لأهل الزوجة وإن قلّت المساعدة
بعض الأزواج يُحمّل أهل الزوجة فوق طاقتهم، أو يسيء الظن بهم، أو يعيّرهم بالفقر أو الأصل، وهذا خُلقٌ مذموم، ينافي المروءة والعدل.
3. تجنّب تدخل الأهل في تفاصيل الحياة الزوجية
على الزوج أن يُحسن العلاقة مع أهل زوجته، دون أن يجعلهم طرفًا في كل صغيرة وكبيرة، بل يُبقي إدارة بيته بيده، ويُظهر لهم الاحترام من غير ضعف.
رابعًا: قواعد عامة للطرفين
✅ 1. النية الصالحة في المعاملة
احتساب الأجر في حسن الخُلق مع أهل الطرف الآخر، فإن الله لا يُضيع أجر المحسنين.
✅ 2. الاعتدال وعدم المثالية
ليس من الواجب أن نحب كل أحد، لكن يجب أن نحسن لكل أحد، ولا نتكلف فوق الطاقة.
✅ 3. التغافل والتسامح
العشرة لا تستقيم إلا بالتغافل، فإن ركّز كل طرف على الهفوات، فسدت العلاقات.
✅ 4. كفّ اللسان عن الغيبة والسخرية
قال الله تعالى:
﴿وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا﴾ [الحجرات: 12]
والغيبة من أعظم أسباب قطيعة الأرحام وخراب البيوت.
خامسًا: متى يكون التدخل واجبًا؟
إذا حصل أذى واضح من أهل أحد الزوجين يؤثر على كرامته أو دينه أو سعادته، فإن من حق الطرف المتضرر أن يُعالج الوضع بالحكمة، ويطلب تدخل طرف ناصح، كالأب أو القاضي الشرعي، بشرط البُعد عن الهوى أو الانتقام.
خاتمة
إن حسن التعامل مع أهل الزوج أو الزوجة ليس نافلة من الخلق، بل هو ركن من أركان الحكمة في بناء الأسرة المسلمة. ومن اتقى الله، وأحسن إلى من حوله، عاش في رضا وطمأنينة. فالقلوب تُملك بالإحسان، لا بالإلحاح، وتُصان بالحكمة، لا بالتعصب والانفعال.