بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

الزواج في الإسلام ليس مجرد عقد بين طرفين، بل هو ميثاق غليظ، تقوم عليه المودة والرحمة، وتسير به سفينة الأسرة إلى بر الأمان. وقد اعتنى الشرع الحنيف بهذه العلاقة، فجعل لها حقوقًا وواجبات، وآدابًا وأخلاقًا، تحفظ كيان الأسرة، وتؤسس لحياة زوجية يسودها السكن والتفاهم.

قال الله تعالى:
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم: 21] فالحياة الزوجية تقوم على السكينة والمودة، ولا تُبنى إلا بحسن المعاملة والتقوى.


أولًا: المبادئ الشرعية الحاكمة للتعامل بين الزوجين

1. التقوى أساس العلاقة

قال الله تعالى:
﴿فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾ [النساء: 34] فمن خشي الله في زوجه، بورك له فيها، ومن ظلم، أفسد العلاقة من أصلها.

2. المعاشرة بالمعروف

قال الله تعالى:
﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: 19] أي باللطف والإكرام والتقدير، وهو أمر يشمل المعاملة اليومية، والكلام، والإنفاق، والمشاركة.


ثانيًا: حقوق الزوجين المتبادلة

✅ حق الزوج على زوجته:

  • الطاعة في غير معصية.
  • حفظ بيته وماله وعرضه.
  • التزين له والتبسم في وجهه.
  • عدم الخروج من البيت إلا بإذنه.

قال ﷺ:
“إذا صلّت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصّنت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أيّ أبواب الجنة شئتِ”
رواه أحمد وابن حبان.

✅ حق الزوجة على زوجها:

  • النفقة الشرعية.
  • الإحسان في المعاملة.
  • عدم الإيذاء أو الإهمال.
  • أن يعاشرها بالمعروف، ويؤنسها ويلاطفها.

قال ﷺ:
“خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي”
رواه الترمذي.


ثالثًا: آداب يومية بين الزوجين

🌿 الكلمة الطيبة

الكلام الحسن مفتاح القلوب، وقد قال ﷺ:
“الكلمة الطيبة صدقة”
رواه البخاري ومسلم.

🌿 التغافل عن الزلات

قال الإمام أحمد:
“تسعة أعشار العافية في التغافل”
فليس أحد من الزوجين يخلو من تقصير، والتغافل يطفئ كثيرًا من الخلافات.

🌿 الشكر والثناء

أن يشكر كل منهما الآخر على المعروف، فإن ذلك يزيد المحبة ويُذهب الجفوة.

🌿 التعاون في شؤون البيت

كان النبي ﷺ في خدمة أهله، فإذا سمع الأذان خرج للصلاة.
رواه البخاري.
فليقتد الأزواج بسيد الخلق في المشاركة والإحسان.


رابعًا: ما يُفسد العلاقة الزوجية

  • ❌ رفع الصوت والتلفظ الجارح.
  • ❌ إفشاء الأسرار الخاصة.
  • ❌ المقارنة مع الآخرين.
  • ❌ تهميش المشاعر أو تجاهل الرغبات.

قال ﷺ:
“لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خُلُقًا رضي منها آخر”
رواه مسلم.
أي لا يبغضها بكليتها، بل يتأمل المحاسن ويُقدّرها.


خامسًا: العلاقة العاطفية بين الزوجين

الإسلام لا يُغفل حاجة النفس إلى المحبة والأنس، بل حضّ على إظهار المودة:

قال النبي ﷺ عن خديجة رضي الله عنها:
“إني قد رُزقت حبها”
رواه مسلم.

فالزوجان مأجوران على تبادل الحب والرحمة، وخلق جو من الأمان العاطفي، خاصة في زمن كثُرت فيه الفتن والشتات.


سادسًا: متى يُلجأ إلى الإصلاح؟

إذا وقعت الخلافات، وأُغلقت أبواب الحوار، شُرع الإصلاح، إما بالحكمة والموعظة، أو بتدخل أهل الخير:
﴿فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا﴾ [النساء: 35]


خاتمة

التعامل بين الزوجين ليس مسألة عاطفية مؤقتة، بل عبادة يومية، تُبنى على الصبر، والتغافل، والتقدير.
ومن رزقه الله زوجًا أو زوجة صالحة، فليحفظ النعمة، وليجتهد في أداء الحقوق، فذلك من أسباب رضا الله، وسعادة الدنيا، وبركة الذرية.